الرحمن علم القرآن




مسيلمة رسول من الرحمن.
يقول العلامة الدكتور جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام:
[هذا ولم أجد في الأخبار المتعلقة بمسيلمة خبرا يفيد صراحة أن مسيلمة كان قد اعتنق الإسلام ودخل فيه. فالأخبار التي تتحدث عن مجيئه إلى يثرب لا تشير إلى ذلك، والأخبار الأخرى التي تتحدث عنه وهو في اليمامة لا تشير إلى قبوله الإسلام كذلك، بل نجد فيها كلها أنه ظل يرى نفسه نبيا مرسلا من "الرحمن" وصاحب رسالة، لذلك فليس من الصواب أن نقول: "ردة مسيلمة"، أو "ارتداد مسيلمة"، أو نحو ذلك، لأنه لم يعتنق الإسلام ثم ارتد عنه، حتى ننعته بالمرتد.]
ويقول:
[وأنا لا أستبعد ما نسب إلى "مسيلمة" من دعوى نزول الوحي عليه، وتسمية ذلك الوحي "قرآنا" أو كتابا أو سفراً، أو شيئاً آخر،...]
وفي المفصل أيضا:
["وكانت قريش حين سمعت : بسم الله الرحمن الرحيم، قال قائلهم : دق فوك، إنما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة ". وذكروا أنه دعا إلى الرحمان، أي إلى عبادة الرحمان. بينما عرف نفسه ب "الرحمن"، فقيل له: "رحمان اليمامة". وأنه دعا إلى عبادته هذه قبل النبوة، وقد عُرف أمره بمكة، فلما نزل الوحي على الرسول، قال أهل مكة إنما أخذ علمه من "رحمان" اليمامة. وقالوا له: ألا إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن، ولن نؤمن به أبدا ". فأنزل الله سبحانه: وهم يكفرون بالرحمن. قل: هو ربي".]
[وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا }  ، أن مسيلمة كان يُدعى الرحمن . فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، اسجدوا للرحمن قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة، بالسجود له. أو أنهم قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . يعنون مسيلمة "الكذاب"].
وفي تفسير القرطبي لسورة الرحمن نجد:
[وقيل: نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر وهو رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله تعالى: "الرحمن. علم القرآن"].
في القرآن الكريم:
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَك إلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُم وَهُم بِذِكْر الرَّحْمَن هُم كَافِرُونَ.
وَإِذَا قِيلَ لَهُم اسْجُدُوا لِلرَّحْمَن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُم نُفُورًا.
قُل ادْعُوا اللَّه أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ، أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى.
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ؟
نلاحظ إذن أن الرسول ومسيلمة كانا يتلقيان الوحي من عند الرحمن وكلاهما بواسطة جبريل عليه السلام، هذا يعني أن أرواح الوحي عند مسيلمة وعند الرسول كانوا على اتصال فيما بينهم غير أن عملية الوحي ابتدأت عند مسيلمة، وما شرع الروح الأمين بوحي القرآن على الرسول إلا بعد مدة.
ومما يدل على تداخل الوحي عند الإثنين شهادة الرحال بن عنفوة:
[وشهد "الرحال بن عنفوة" أن رسول الله أشركه، أي أشرك مسيلمة، في الأمر، فتبعه الناس. وكان "الرحال" قد تعلم سورا من القرآن، فنسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن،...].
لا أعتقد أن الرحال كان كاذبا: إذا كان ينسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن فإن ذلك يعني أن بعضا من الآيات القرآنية كانت قد نزلت على مسيلمة عليه السلام قبل أن يوحى بها أو بمثلها إلى الرسول ص.
والرحال كان يعرف ذلك حق المعرفة فهو كان يؤمن بنبوتهما معا وبأنهما كانا مشتركين في نفس الرسالة.
وقد شهد له التاريخ بالتقوى والاستقامة:
في المفصل عن الرحال بن عنفوة:
[وهو من وجوه "بني حنيفة" واسمه "نهار"، وكان في الوفد الذي جاء إلى الرسول، وقد اختلف إلى " أُبَي بن كعب" ليتعلم منه القرآن،...، وقد تعلّم سورة البقرة وسُوَرا من القرآن.].
[وذُكر أنه كان على غاية من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير، ثم انقلب على عقبيه وصار من أشد أعوان مسيلمة المقربين له، فشهد له أن الرسول أشركه معه في الأمر. وكان أحد وفد "بني حنيفة" إلى رسول الله،... .]

وفي تاريخ الطبري: 


[... وكان مسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح ، وكان معه نهار الرجال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، فبعثه معلمًا لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أنه سمع محمدًا، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه قد أُشرِك معه، فصدقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه، فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئًا إلا تابعه عليه، وكان ينتهي إلى أمره، وكان الذي يؤذن له: عبد الله بن النواحة، وكان الذي يُقيم له "حجير بن عمير"،...]
قال:
[وليشغب على مسيلمة، وليشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة].
هذا بطبيعة الحال كذب وبهتان وتحريف للحقائق. فالرجل كان متشبثا بالحق مدافعا عنه باستماتة حتى قتل شهيدا.
ونسبوا إلى مسيلمة آيات منها:
[والشمس وضحاها، في ضوئها ومجلاها. والليل إذا دعاها، يطلبها ليغشاها، فأدركها حتى أتاها، وأطفأ نورها فمحاها.]
ومنها:
[سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشاء ومعى، فمنهم من يموت ويدس في الثرى، ومنهم من يعيش ويبقى إلى أجل ومنتهى، والله يعلم السرّ وأخفى، ولا تخفى عليه الآخرة والأولى].
 ومنها أيضا:
[اذكروا نعمة الله عليكم واشكروها؛ إذ جعل لكم الشمس سراجاً، والغيث ثجاجاً، وجعل لكم كباشًا ونعاجاً، وفضة وزجاجاً، وذهبا وديباجاً، ومن نعمته عليكم ان أخرج لكم من الأرض رماناً، وعنباً، وريحاناً، وحنطة و زؤانًا].
بالرغم من تحريفهم لكلامه يبدوا جليا أن الوحي كان يأتي لمسيلمة بآيات لا تقل جودة عن آيات القرآن الكريم. أما تشابه آياته مع آيات القرآن الكريم فراجع إلى كونهما يستقبلان الوحي من نفس المنابع. ومن الراجح جدا أن تكون الصيغة الأصلية لهذه الآيات قد نزلت على مسيلمة قبل أن ينزل مثلها على الرسول ص لأن الوحي بدأ بمسيلمة كما ذكرنا.
في القرآن الكريم:
ألَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَخَلَقْنَاكُم أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشًا، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُم سَبْعًا شِدَادًا، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا، لِنُخْرِج بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا.
وفي خبر متواتر:
[كان مؤذن مسيلمة يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله، وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء].